لم يعد الفلسطيني في هذه الأيام منشغلًا برفاهيات أو كماليات، فكل همه بات تدبير قوت يومه وتقنين مصروفاته بما يتناسب مع الضائقة الاقتصادية الخانقة. ومن أبرز مظاهر هذا التقنين ما لجأ إليه المدخنون، الذين اضطروا إلى التخلي عن السجائر الأجنبية باهظة الثمن، والاتجاه نحو السجائر الأرخص المعروفة بـ”العربي”، او تلك التي تُهرّب غالبًا عبر المعابر الأردنية.

فالفرق شاسع؛ إذ يتراوح سعر علبة السجائر الأجنبية ما بين 7 و10 دولارات، بينما لا يتجاوز سعر “العربية” دولارًا ونصف فقط، وهو ما جعلها الملاذ الأخير لذوي الدخل المحدود.

لكن المفارقة المريرة أن الجمارك الفلسطينية، بدل أن تراعي ظروف المواطن وتبحث عن حلول تخفف معاناته، اختارت أن تلاحق بائعي هذه السجائر وتصادرها تحت شعار “حماية الاقتصاد الوطني”. وكأن المواطن الغلبان، الغارق أصلًا في دوامة الغلاء والبطالة والعجز المالي، هو الحلقة الأقوى التي يمكن كسرها.

ما لا تدركه الجهات الرسمية أن القهر النفسي الذي يعيشه الفلسطيني اليوم كفيل بأن يحوّل غير المدخن إلى مدخن، بحثًا عن متنفس ولو مؤقتًا. ومع ذلك، حتى هذا المتنفس البسيط بات محاصرًا بالملاحقة والمصادرة.

القضية هنا لا تتعلق بالدفاع عن السجائر المهرّبة بقدر ما تكشف غياب سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تراعي المواطن البسيط. فحين يُمنع الفقير من أرخص وسيلة يلجأ إليها لتفريغ غضبه، دون أن يُقدَّم له بديل يحفظ كرامته، فإن السلطة عمليًا لا تحمي الاقتصاد الوطني بقدر ما تعمّق فجوة الغضب الشعبي.