«التقسيم العسكري كأداة للهيمنة» بقلم : رائد عمر

منذ عام 1967 وحتى اليوم، يتغير شكل الحكم في الضفة الغربية لكن يبقى الجوهر واحدًا: الاحتلال يسعى لتفكيك الأرض ومنع قيام كيان فلسطيني موحد. فبينما تبدلت الأسماء من “ألوية عسكرية” إلى “إدارة مدنية” ثم إلى مناطق (A وB وC)، ظلت الاستراتيجية ثابتة: عزل المدن الفلسطينية عن بعضها، وتحويل الضفة إلى كانتونات محاصرة، مقابل إطلاق العنان للمستوطنات والضم الزاحف.
ألوية للتفتيت والسيطرة
بعد احتلال الضفة في حرب حزيران/يونيو 1967، سارعت إسرائيل إلى تقسيمها إلى ثمانية ألوية عسكرية، على رأس كل واحد منها ضابط يحمل صفة “الحاكم العسكري”، يمتلك صلاحيات مطلقة، ليست أمنية فحسب، بل إدارية وقضائية واقتصادية أيضًا.
وقد جاءت هذه الألوية على الشكل التالي: القدس، الخليل، بيت لحم، رام الله، نابلس، طولكرم، جنين، وأريحا.
بهذا التقسيم تحولت الضفة إلى فسيفساء مجزأة، كل لواء منها يعمل كـ “دولة صغيرة” يقرر مصيرها الحاكم العسكري، من تصاريح الحركة إلى مصادرة الأراضي وحتى التدخل في القوانين المدنية.
البعد السياسي للتقسيم
لم يكن الهدف مجرد حفظ الأمن، بل كان هذا التقسيم جوهر المشروع الصهيوني في الضفة:
إضعاف أي مركزية فلسطينية قادرة على إدارة المنطقة كوحدة سياسية متماسكة.
تسهيل الاستيطان عبر التعامل مع الأرض كاحتياطي استراتيجي للتوسع.
إخضاع السكان عبر تحويلهم إلى مجموعات محاصرة في كانتونات عسكرية.
من الحكم العسكري إلى “الإدارة المدنية”
ومع بداية الثمانينيات، جرى تعديل الشكل فقط: استُبدلت تسمية “الحكم العسكري” بـ “الإدارة المدنية”، لتبدو أقل قسوة أمام العالم، لكنها بقيت تحت إشراف وزارة الدفاع الإسرائيلية. وبعد اتفاق أوسلو 1993، تغيّرت الأسماء مجددًا إلى مناطق (A, B, C)، لكن السيطرة الفعلية بقيت بيد الاحتلال.
النية الإسرائيلية لإعادة التقسيم
اليوم، تعود إسرائيل بخطة جديدة تقوم على إعادة تقسيم الضفة إلى أربع مناطق رئيسية بدلًا من الواقع القائم، في محاولة لترسيخ واقع الكانتونات الجغرافية والسياسية. الخطة ليست سوى استمرار لسياسة “إدارة الصراع”: إبقاء الفلسطينيين محاصرين بلا تواصل جغرافي ولا سيادة، مقابل إطلاق يد المستوطنين والمشاريع الاستعمارية وهو ما صرح عنه وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموترش .
إن الحديث عن تقسيم الضفة إلى أربع مناطق ليس تفصيلًا إداريًا، بل خطة سياسية هدفها دفن أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
إنها لحظة اختبار: إما مواجهة مشروع التفتيت، أو ترك الاحتلال يرسم خريطة جديدة على أنقاض الحق الفلسطيني.