“قبل أن نُحيي الذكرى، لا بُدّ أن نُحيي المعنى”

لماذا أمر اللهُ إبراهيمَ عليه السلام بذبح ابنه؟!
كان نبيُّ الله إبراهيم عليه السلام يعيش علاقة حبّ عميقة مع أول أبنائه إسماعيل عليه السلام، إذ طال اشتياقه للذرية، ومكث سنواتٍ طويلة محرومًا من الولد، حتى رزقه الله -وقد بلغ من العمر ستًا وثمانين سنة– بإسماعيل من زوجته هاجر.
ومع مرور السنوات، كبر الغلام، وبدأت ملامحه تتكوّن، وصار رفيقَ أبيه في الحياة. نشأت بينهما علاقةٌ وثيقة، امتزجت فيها مشاعر الأبوة العميقة بالحبّ والودّ، فتعلّق به إبراهيم تعلقًا شديدًا.
وحين بلغ إسماعيل من العمر اثني عشر عامًا، رأى إبراهيم في المنام أنه يذبحه. {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}، فكان رد إسماعيل مُدهشًا في طاعته وتسليمه: {يا أبتِ افعل ما تُؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.
هذا المشهد يجمع بين أعلى درجات الحب الأبوي، وأسمى مراتب الطاعة والتسليم لأمر الله – من الأب والابن على حدٍّ سواء.
ولكن، لماذا أمره الله بذلك؟!
إسماعيل لم يكن مجرد ابن، بل كان “الحُلم” الذي تمنّاه إبراهيم طول عمره. فلما أخذ إسماعيل قلب أبيه ومحبته واهتمامه، أراد الله أن يُمحّص هذا التعلّق، ويُطهّر القلب منه. لم يكن الهدف هو ذبح إسماعيل، بل اختبار إبراهيم في أعزّ ما يملك.
إنه تطهيرٌ للقلب من كل ما سوى الله. فحين أسلما – أي سلّما أمرهما لله، ورضيا بحكمه – انقضى الابتلاء، ووقع الفداء، لأن الذبح الحقيقي قد تمّ: ذبح الهوى، وكسر التعلّق والأنانية، وتحرير القلب من التعلق بكل ما هو دنيوي.
تلك هي فلسفة التجريد الإلهي من التعلّق بالشهوات الدنيوية.
فالبلاء الحقيقي لم يكن في الذبح، بل في المفارقة.. أن تفارق أعزّ ما تملك، بإيمانٍ ويقين، ورضًا وتسليم.
وهكذا، يكون “تجريد النفس من الهوى” هو السبيل إلى النجاة في هذه الدنيا. وكلّما أحببتَ شيئًا أكثر من اللازم، اختبرك الله فيه؛ فإن لم تكن مستعدًا لفقده لأجل الله، فاعلم أن في قلبك شِركًا خفيًّا، وتعلّقًا يُنقِص إخلاصك.
كل ما يتسلل إلى القلب ويأخذ مكانًا لا يليق إلا بالله، قد يصبح صنمًا؛ سواء كان شخصًا، أو حلمًا، أو شهوة، أو حتى “نفسك” ذاتها.
إسماعيل لم يكن مجرد ابن، بل كان رمزًا لكلّ ما نتعلق به في الدنيا، ويكون سببًا في شقائنا.. قد يكون هذا التعلّق: أولادك، أو شهواتك، أو نجاحاتك، أو أحلامك… أو حتى نفسك.