تحدث ماتي توشفيلد، الصحافي والمعلق السياسي الإسرائيلي البارز، عن شهادة نائب مفوض الشرطة المتقاعد تساحي حافكين أمام المحكمة في قضايا الفساد المتعلقة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وفي مقال نشره موقع “واللاه” العبري عن الشهادة التي “تُهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب”، اعتبر ماتي توشفيلد أنه: “في أي دولة طبيعية، كانت الأمور التي تم الكشف عنها هذا الأسبوع في المحكمة المركزية بالقدس ستُحدث إعصارا سيطيح ويدمر كل شيء وكل شخص يقترب منه. ولن يترك أي متورط يقف في مكانه. الإقالات، الاستدعاء للتحقيق، وحتى الاعتقالات، ناهيك عن العناوين الرئيسية وفتح نشرات الأخبار في كل مكان – هكذا كان ينبغي أن يبدو الأسبوع حقا في ضوء الكشوفات التي قدمها نائب المفوض المتقاعد تساحي حافكين في شهادته أمام المحكمة في إطار ملفات نتنياهو”.

وحسب توشفيلد ، “تطلب الأمر شجاعة كبيرة من مسؤول الشرطة البارز في وحدة التحقيق 433 ليأتي إلى المحكمة ويقول ما قاله. ضد نفسه، كونه كان متورطا في تحقيقات بنيامين نتنياهو، وضد رؤسائه، وضد أصدقائه المقربين. كان يمكن لحافكين أن يظل تحت أمر حظر النشر الذي حمى الكشف عن اسمه حتى الآن. وحتى بعد موافقته على العمل كشاهد دفاع، كان يمكنه، كما فعل أسلافه – محققو الشرطة والضباط المسؤولون – التقليل من شأن الأحداث وتصغيرها. لكنه اختار غير ذلك”.

وأكمل الصحافي الإسرائيلي المعروف: “بتفصيل وبكلمات بسيطة، وصف حافكين تسلسل الأحداث الجنائية التي ارتكبها محققو الشرطة المتورطون في ملفات نتنياهو. وروى كيف قام، في الوقت الفعلي، بالتوجه إلى زملائه وحذرهم من أن أفعالهم، ربما بسبب الحماس المفرط الذي أظهروه، قد توقعهم في مشاكل – لأنها غير صحيحة. لكن أيا منهم لم يستمع إليه، واستمرت الأفعال نفسها. وبعد أن اضطر للتوجه إلى رؤسائه، اكتشف أنه لم يكن هناك أيضا من يهتم. ولكم ازداد ذهوله عندما تلقت المستويات المسؤولة عن تحقيقات الشرطة، أي “ماحاش” (النيابة العامة لمكافحة فساد الشرطة)، كبحا كبيرا ووقحا من جانب رؤسائهم، أي النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، بعدم التحقيق في الأمر”.

ووفقا للمعلق السياسي البارز، فمن شهادة حافكين “يتضح أنه تم ارتكاب تجاوزات غير مقبولة في التحقيق منذ البداية، عندما قرر المحققون، وهو من بينهم، من تلقاء أنفسهم أن المستشار القضائي للحكومة أفيخاي ماندلبليت منح تفويضا محدودا للغاية للتحقيق في التفاصيل التي تم تجميعها في النهاية في الملف 1000، ولذلك قاموا بتوسيع التحقيق، دون إذن، ليشمل العديد من الأمور الإضافية”. وواصل حافكين تفصيل المخالفات، على حد قوله، التي ارتكبت خلال التحقيقات، ضد نتنياهو وضد مستجوبين آخرين. على سبيل المثال، اعترف لأول مرة بأن امرأة مرتبطة بنير حيفيتس (مساعد سابق لنتنياهو تم اعتقاله وأصبح شاهد دولة) تم إحضارها للاعتقال بهدف إخراج حيفيتس من توازنه عندما يراها. لم تأتِ تلك المرأة بملء إرادتها، بل اعتُقلت. ووفقا لشهادة حافكين، فإن هذا يعتبر اعتقالا كاذبا بكل معنى الكلمة – لم يكن هناك أي شيء أو نصف شيء للتحقيق معها بشأنه، ولم تكن مشتبها بها في أي شيء”.

كما شهد حافكين بأنه هو وزملاؤه “عدلوا” محاضر التحقيق، وأدخلوا وحذفوا كلمات لمستجوبين مختلفين لتعزيز الملفات. وهي أفعال ترقى إلى مستوى التزوير والأفعال الجنائية الصريحة. وكشف أيضا أن المحققين كانوا يعلمون في الوقت الفعلي أن اجتماع التوجيه بين نتنياهو ومومو فيلبر ( مسؤول حكومي إسرائيلي سابق شغل مناصب رفيعة قبل أن يصبح شاهد دولة رئيسيا في قضية فساد ضد  نتنياهو) – وهو الاجتماع الذي يمثل جوهر الملف 4000 – لم يحدث على الإطلاق، لكنهم تعاونوا مع إدراجه في لائحة الاتهام من قبل النيابة وبموافقة المستشار القضائي للحكومة آنذاك.

لكن الأفعال المفصلة للمحققين وقادة الوحدة وكبار ضباط الشرطة بشكل عام ليست سوى النصف الأول من القصة. النصف الثاني يتحدث عن “ماحاش”، الخاضعة للنيابة العامة. أغلقت “ماحاش” الواحدة تلو الأخرى جميع الشكاوى والشهادات التي قُدمت إليها. وحتى عندما طلب محقق نيابة عنها فحص الأمور، مثل موشيه سعاده – عضو الكنيست الحالي في الليكود – لم يحصل على إذن بذلك من رئيس “ماحاش”، وتم حفظ الشكاوى دون أي فحص.

وكما ذُكر، كان يكفي الكشف عن هذه الأمور لتبدأ موجة اعتقالات وتحقيقات ضد المتورطين بمجرد الانتهاء من سماع الشهادة. لكن، وفقا للمقال، هذا يحدث في مكان طبيعي، وهو ما لا يمكن قوله في هذه الحالة. إن الحماس الذي أظهره نظام إنفاذ القانون ضد نتنياهو آنذاك هو بالضبط نفس الحماس الذي يظهره نظام إنفاذ القانون اليوم. ولهذا السبب كان يمكن لأفيخاي ماندلبليت وشاي نيتسان ورئيس “ماحاش” آنذاك وقادة  وحدة “لاهاف 433” ومحققي الملفات أن يواصلوا النوم بهدوء. لن يتم التحقيق مع أحد، ولن يأمر أحد بإجراء فحص. سيتجاهل معظم وسائل الإعلام الأمر. وسيستمر العالم في طريقه المعتاد.

وورد غب المقال أن قضية العفو تشغل نتنياهو بشكل كبير. لا يوجد شيء يرغب فيه أكثر من التخلص من هذا الإزعاج الذي يشغل باله لأيام طويلة، بشهادة لا تنتهي، تستهلك وقته وتُهين مكانته. رئيس الوزراء يؤمن إيمانا كاملا بأنه لم يرتكب أي خطأ، وخاصة خطأ جنائيا، في أفعاله – لا في الملف 1000، ولا في الملف 2000، وبالتأكيد لا في الملف 4000، وهو الأخطر بينها، والذي قال فيه القضاة كلمتهم أصلا.

القضية 4000 (ملف بيزك/واللا): التهمة الأخطر: الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو بمنح مزايا تنظيمية ضخمة لشركة الاتصالات الإسرائيلية “بيزك” (Bezeq)، مقابل حصوله هو وزوجته سارة على تغطية إيجابية ومحاباة على موقع “واللا” (Walla) الإخباري الذي كان يملكه رئيس الشركة السابق.

القضية 1000 (ملف الهدايا/الرشوة): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو وزوجته بتلقي هدايا ثمينة ومستمرة بشكل غير قانوني، بما في ذلك السيغار الفاخر والشمبانيا والمجوهرات، بقيمة مئات الآلاف من الدولارات من رجال أعمال أثرياء (مثل المنتج الهوليوودي أرنون ميلشان والملياردير جيمس باكر)، مقابل تقديم خدمات أو تسهيلات لهم. 

القضية 2000 (ملف يديعوت أحرونوت): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة.  يُتهم نتنياهو بالتفاوض على صفقة مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أرنون موزيس، تقضي بتقديم تغطية إيجابية لنتنياهو في الصحيفة مقابل سن تشريع لإضعاف صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة.

وليس لديه أدنى شك في أن “الدوافع وراء تحقيقاته ومحاكمته هي دوافع سياسية واضطهاد من قبل النظام، بدعم من وسائل الإعلام ضده، وليس أكثر”. إنه يعلم أنهم “لا يبحثون عن العدالة بل عن رأسه – والدليل: لو كان مستعدا للتوقيع على الانسحاب من منصب رئيس الوزراء، لكان الجميع، دون استثناء، سيوقعون، دون تفكير لثانية، على إلغاء جميع التهم بالكامل”.

من هذا المنطلق، يمكن أن يكون العفو مناسبا له تماما. ستختفي المحاكمة، بينما يستمر هو في منصبه. لهذا السبب لم يستطع نتنياهو إخفاء ارتياحه عندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتصوغ العفو عنه، مقللا من شأن جميع التهم ضده وملخصا إياها باستخدام المصطلح العامي الأمريكي: “من يهتم” (Who cares). ولذلك شعر نتنياهو بالسرور، وشجع وزراء الليكود من وراء الكواليس الذين وقعوا على طلب مماثل.

لكن هناك عقبة. في إجراءات العفو، هناك عقبة واحدة يرفض نتنياهو تجاوزها: الطلب. بموجب القانون، لا يمكن لأحد سوى صاحب الشأن نفسه أو قريب له من الدرجة الأولى أن يطلب العفو من الرئيس لإحالة الموضوع للمناقشة في القسم المختص في مكتب الرئيس وفي قمة وزارة العدل. ليس في مكتب الوزير، بل في القسم الآخر من الوزارة، التابع للمستشارة القضائية للحكومة والنائب العام للدولة.

ويقدر نتنياهو أنه إذا تم تمرير قانون التجنيد، يمكن تمرير الميزانية بسهولة، وتقديم “بشرى اقتصادية” مهمة للجمهور، ستُلمس نتائجها حتى قبل الانتخابات. بدءا من إعلانات عن مزايا كبيرة للجمهور، ولأفراد الاحتياط، مرورا برفع التصنيف الائتماني للشركات الرائدة درجتين، وحتى إنشاء حاسوب عملاق (Supercomputer) آخر، بتكلفة مئات الملايين من الشواكل، على الأرجح في المنطقة الجنوبية – مما سيضمن استثمارات هائلة وبشرى توظيف مهمة للمنطقة. يوجد في العالم بضع مئات فقط من هذه الحواسيب، وعدد قليل منها فقط يمتلك قدرات الحاسوب العملاق المخطط له، والذي بدأت المناقشات الأولية لإنشائه بالفعل، بما في ذلك مناقشة حول الموضوع هذا الأسبوع في الكنيست. وفقا للخطة، سيكون هذا هو “الحاسوب الأكثر تقدما في العالم” من حيث قدرات الذكاء الاصطناعي (AI) التي سيتمتع بها، وستكون كمية البنية التحتية والطاقة اللازمة لإنشائه بحجم مدينة صغيرة سيتم بناؤها تحت الأرض.

ولكن قبل أن تبدأ الجرافات في مهمة حفر المدينة، سيتعين على نتنياهو بناء وإعادة تأهيل مكتبه، الذي يظهر علامات تفكك متقدمة منذ بعض الوقت: المستشار الكبير يوناتان أوريتش ممنوع من الحضور للعمل بسبب وضعه القانوني، ومنصب رئيس جهاز الإعلام لم يُشغل منذ سنوات، ورئيس الأركان عُين سفيرا في لندن، والمستشار السياسي عُين هذا الأسبوع مديرا عاما لليكود. وينضم أيضا وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي سيغادر قريبا، إلى باقي المغادرين – أي المُغادرين قسرا.

ويشمل ذلك أيضا مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي اتسعت الفجوة بينه وبين نتنياهو في الأشهر الأخيرة حتى وصلت إلى نقطة اللاعودة. من غير الواضح ما إذا كان السبب هو تحقيق الشرطة أو أزمة شخصية أخرى، لكن هنغبي بدأ مؤخرا يسير في مسار كانت نهايته معروفة له مسبقا، حتى تلقى إشعارا بإنهاء عمله فورا.

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تصريحات نُسبت إليه في محادثات مغلقة حول “الدعم المطلق لصفقة استسلام لحماس من أجل إطلاق سراح الرهائن”، بما في ذلك منع التوغل العسكري في غزة، بنصوص تذكر نصوص المتظاهرين في “كابلان” ورجال المعارضة. ليس لدى نتنياهو مشكلة في أن يقول هنغبي ما يفكر فيه في المنتديات المغلقة، فهذا هو الغرض منها، لكنه أعرب عن غضب شديد بشأن التسريب الذي يتهم فيه هنغبي نفسه. إن هنغبي، السياسي المخضرم والمتمرس في المعارك، يعرف جيدا “نفسية العميل” – في هذه الحالة، رئيسه – ومع ذلك اختار السير في الطريق الذي اختاره.

المصدر: “واللا”