مع حلول تشرين الأول، تتفتح الحقول الفلسطينية على موسم الزيتون، موسم لا يشبه أي موسم آخر. إنه أكثر من عملٍ زراعي، هو طقس تراثي تتوارثه العائلات جيلًا بعد جيل، ويمثل رمزًا للصمود والانتماء للأرض. لكن هذا العام، دخل الموسم بثقل التحديات وانخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار، في ظل واقع اقتصادي وسياسي معقد.


موسم ضعيف وأسعار مرتفعة

بحسب مجلس الزيتون الفلسطيني، يُعد موسم 2025 الأضعف منذ 16 عامًا، إذ لا يتجاوز إنتاج الزيت 7,500 طن مقارنة بـ27 ألف طن في الموسم الماضي.
تقرير وزارة الزراعة الفلسطينية أشار إلى أن هذا التراجع يعود لتقلبات الطقس، قلة الأمطار، والاعتداءات المتكررة على الأراضي الزراعية.

في المقابل، ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق؛ حيث بلغ سعر تنكة الزيت (16 لترًا) نحو 700 شيكل بعد أن كان 500 في الموسم الماضي، ووصل سعر الكيلو في بعض الأسواق إلى 32 شيكلًا.
ويعزو خبراء هذا الارتفاع إلى ندرة الإنتاج محليًا وارتفاع الطلب الخارجي، خاصة بعد زيادة المبيعات في الأسواق الأوروبية المتضامنة مع المنتج الفلسطيني، مثل شركة Zaytoun البريطانية التي سجلت ارتفاعًا في مبيعاتها بنسبة 50% خلال عام 2024.


الزيتون: هوية وثقافة

الزيتون في فلسطين ليس مجرد شجرة مثمرة، بل ذاكرة وطنية حية. يقول المزارع “أبو ناصر” من نابلس:

“الزيتون بالنسبة إلنا مش تجارة، هو بركة ووصية من الجدود، وما بنتركه مهما كان الموسم صعب.”

وتشير تقارير وزارة الزراعة إلى أن نحو 96 ألف عائلة فلسطينية تعتمد بشكل مباشر على قطاع الزيتون كمصدر رزق رئيسي، سواء في إنتاج الزيت أو الزيتون المخلل أو صناعة الصابون التقليدي في نابلس والخليل.


تحديات المزارعين

1. المنع والاعتداءات

تقرير منظمة Al-Haq وثّق أكثر من 200 حادثة اعتداء على المزارعين وأشجار الزيتون خلال موسم 2024، شملت اقتلاع الأشجار وحرقها ومنع الوصول إلى الأراضي. كما أكدت الأمم المتحدة أن نحو 96 ألف دونم من الأراضي المزروعة لم يتمكن أصحابها من جني ثمارها بسبب الحواجز العسكرية ومنع التصاريح.

2. التغيرات المناخية

تأخر هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة أثّر بشكل مباشر على الإزهار وجودة الثمار. دراسات من معهد ليفي للأبحاث الزراعية أوضحت أن التقلبات المناخية المتكررة خفضت إنتاجية بعض المناطق بأكثر من 40%.

3. التكلفة العالية

ارتفاع أجور العمال ونقص المعاصر القريبة أجبر كثيرًا من المزارعين على نقل الزيتون لمسافات طويلة، مما أدى إلى خسائر إضافية.

4. هيمنة الوسطاء

غياب التسويق العادل واحتكار السوق من قبل الوسطاء جعل المزارع الصغير الحلقة الأضعف في سلسلة التوريد، حيث يبيع بأسعار أقل بكثير من السعر النهائي للمستهلك.


الذهب الأخضر في مواجهة التحديات

رغم كل ذلك، يبقى الزيت الفلسطيني من أجود أنواع الزيت في العالم، ويمتاز بنسبة حموضة منخفضة وطعم فريد بفضل طبيعة التربة والمناخ.
ويرى خبراء أن الاستثمار في التسويق المباشر، ودعم إنشاء معاصر حديثة في القرى، وتبني نظام العلامة التجارية الوطنية للزيت الفلسطيني يمكن أن يرفع القيمة المضافة ويحمي المنتج من تقلبات السوق.


الخلاصة

موسم الزيتون هذا العام يجمع بين رمزية التراث ومرارة الواقع. الكميات قليلة والأسعار مرتفعة، لكن الشجرة ما زالت واقفة.
في فلسطين، لا يُقطف الزيتون فقط، بل تُقطف معه حكايات الصبر والكرامة.
إنه الذهب الأخضر الذي لا يُقدّر بثمن، لأنه ببساطة… جزء من الجذر الفلسطيني الذي لا يُقتلع.


المصادر:

  • مجلس الزيتون الفلسطيني – aliqtisadi.ps
  • وزارة الزراعة الفلسطينية – الصفحة الرسمية
  • Al-Haq – تقرير موسم الزيتون 2025
  • The Guardian – 2025/10/02
  • Palestine Studies – 2025
  • Fact-Check Wattan – 2025