ليست الخطة الأمريكية المطروحة لغزة مشروع إعمار بقدر ما هي محاولة لإعادة تعريف الكارثة بوصفها فرصة استثمارية. ففي وقت لا تزال فيه آثار الإبادة ماثلة، تُطرح تصاميم لمنتجعات وناطحات سحاب تحت مسمى «الازدهار»، مقابل شروط سياسية وأمنية تُفرغ غزة من معناها كقضية تحرر. فـ«ريفييرا الشرق الأوسط» لا تُقدَّم وعدًا بالحياة، بل صيغة ناعمة لفرض الوصاية ونزع السلاح، حيث يُستبدل الحق بالإدارة، والإعمار بالاستسلام.
وتكشف معالم «مشروع شروق الشمس» عن صفقة مشروطة: نزع السلاح أولًا، إعادة هندسة الواقع السياسي ثانيًا، ثم الحديث لاحقًا عن إعادة البناء. وبين ركام المدينة والعروض التقديمية، تُعاد صياغة غزة كمشروع عقاري–استثماري لا كمساحة لعدالة مؤجلة.
وبحسب ما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، تهدف الخطة إلى تحويل غزة خلال عقد إلى مدينة تكنولوجية ووجهة ساحلية فاخرة، بكلفة تُقدَّر بنحو 112.1 مليار دولار، مع مشاركة أمريكية مباشرة في التمويل والضمانات. وأعدّ المسودة فريق يقوده جاريد كوشنر، إلى جانب ستيف ويتكوف ومسؤولين آخرين، مع التزام واشنطن بدور «الداعم الرئيسي» عبر منح وضمانات ديون تصل إلى قرابة 60 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
وتعرض الخطة، المؤلفة من 32 صفحة، تصورًا لمنتجعات بحرية، وشبكات نقل حديثة، وقطارات فائقة السرعة، وبنية تحتية ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع وعود «بالانتقال من الخيام إلى الشقق الفاخرة». غير أنها لا تحدد بوضوح مصادر التمويل ولا آليات إيواء نحو مليوني نازح خلال سنوات الإعمار.
وسوّقت إدارة ترامب الخطة على دول مانحة محتملة، بينها دول خليجية وتركيا ومصر، إلا أن مسؤولين أمريكيين أبدوا شكوكًا بواقعيتها، خاصة مع شرطها المركزي: نزع سلاح حماس وتفكيك بنيتها العسكرية. ويرى محللون أن هذا الشرط يحوّل المشروع إلى مبادرة سياسية–أمنية أكثر منه استجابة إنسانية.
وتقرّ الخطة صراحة بأن إعادة الإعمار مرهونة بنزع السلاح وإزالة الأنفاق، وهو ما يجعل تنفيذها محل تشكيك واسع. وفي هذا السياق، اعتبر باحثون أن العروض والشرائح «لا تغيّر شيئًا على الأرض» في ظل استحالة تحقق شروطها.
ووفق خارطة الطريق، تمتد الخطة لأكثر من عشرين عامًا، تبدأ بإجراءات إنسانية عاجلة، ثم بناء المساكن والبنى التحتية، ولا تُطلق المشاريع الفاخرة إلا في المراحل المتأخرة. كما تقسم الإعمار إلى أربع مراحل جغرافية، تبدأ من رفح وخان يونس وصولًا إلى مدينة غزة، مع طرح تصور لـ«رفح الجديدة» كمركز إداري يضم مئات آلاف السكان.
وفي المحصلة، تبدو الخطة محاولة لإعادة تشكيل غزة وفق معادلة الاستثمار مقابل السياسة، حيث يُعاد تسويق الإعمار كجائزة مشروطة، لا كحق لأصحاب الأرض، وتُقدَّم المدينة المدمَّرة بوصفها فرصة، لا مأساة تستوجب العدالة قبل الخرائط.