«كسرنا الشمس» بقلم الأديب يوسف العيلة

قال الراوي الشعبي الهرِم، الذي أعرفه شخصياً:
اسمع مني حقيقة انتصارنا على الشمس.
كان أجدادنا “يغربون” عصراً، راجلين من خِرْبة عزّون إلى عَزَبهم في كروم “غابتنا” المحاذية للبحر. وفي صباح اليوم التالي، “يشرقون” سيراً على أقدامهم، عائدين إلى بيوتهم في الخِرْبة، كي يتزوّدوا بالخبز والزيتون والزيت والجبنة.
كانت سهام ضوء الشمس تضرب عيونهم في غدوّهم ورواحهم، حتى كادت حرارتها تُعمِش عيونهم.
تداولوا فيما بينهم لإيجاد حلّ للعداء اليومي الذي تبديه الشمس الساطعة لعيونهم السمراء. أشار عليهم أحد شيوخهم بقتل ابنها، القرص المستفز، حيث ومتى وكيف أمكنهم ذلك.
في ظهيرة يوم صيفيٍّ لاهب، عثروا على قرصها المحمّر، مستلقياً على ظهره في قعر جُبٍّ نصف ممتلئ بماء الشتاء، يتلألأ بحركات استفزازية، كأنه يتحدّاهم لمنازلته — أو هكذا فَهِموا تلألؤه.
تنادوا، ثم تجمعوا حول الجُب، وبدأوا بقصف الشمس وقرصها بالحجارة، حتى تكسّرت عظامها ومات قرصها… أو هكذا خُيّل لهم الأمر.
في اليوم التالي للمعركة، أشرقت الشمس كعادتها، وكانت بكامل ضوئها وبهائها وعافيتها.
سأل فتى لم يبلغ الحُلم بعدُ أباه:
– أبي! أَلَم تَقُل لي بالأمس إنكم كسرتم الشمس وخنقتم قرصها في قعر البئر؟
فأجابه مغاضباً:
– اسكت يا وقِح! هل تُكَذّب أهل خِرْبتك؟ الشمس التي أشرقت اليوم هي ابنة الشمس التي كسرناها بالأمس. إعلم أننا ننتصر دائماً في معاركنا على أعدائنا، حتى لو كانوا في أعلى السماء أو باطن الأرض!
…ولا يزال منطق قلب الوهم والهزيمة إلى نصرٍ مؤزّر قائماً في سرديّتنا عن قعر البئر، وفي عُمق عقولنا على حدٍّ سواء، حتى الساعة.