في مشهد يختزل عمق الأزمة الاقتصادية في فلسطين، خاصة في الضفة الغربية، حلّ عيد الأضحى هذا العام وسط ازدحام ملحوظ في أسواق رام الله، لكن دون حركة شرائية حقيقية. وكأن الأسواق تحولت إلى أماكن للتجوال لا للاستهلاك، وفرحة العيد تبدّلت بضيق الحال وغياب القدرة الشرائية.

ازدحام بلا إنفاق

رغم ازدحام شوارع المدينة، أكد العديد من أصحاب المحال التجارية أن الزبائن يكتفون بالتجول دون شراء، حتى في أيام الذروة قبل العيد. أحد التجار في سوق الملابس وسط رام الله قال:

“من الصباح حتى ساعات الظهيرة لم نبع قطعة واحدة. الناس تمر، لكنها لا تملك ما تنفقه.”

الرواتب المجتزأة… والانتظار حتى المساء

أعلنت وزارة المالية الفلسطينية مساء الأربعاء أنها ستصرف 35% فقط من رواتب موظفي القطاع العام عن شهر نيسان/أبريل 2025، بعد تأخر دام أيامًا من الإرباك والتكهنات. الوزارة أوضحت أن تأخر تحويل أموال المقاصة من الجانب الإسرائيلي حال دون صرف كامل النسبة، ما فاقم أزمة السيولة في الأسواق وأضعف استعدادات المواطنين للعيد.

مؤشرات اقتصادية تنذر بالخطر

تؤكد بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تصاعد الأزمة التضخمية:

  • الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك في نيسان 2025 بلغ 200.11 نقطة، مقارنة بـ147.38 في نيسان 2024، و112.12 في العام الذي سبقه، أي ارتفاع بنحو 78% خلال عامين.
  • المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية ارتفعت إلى 210.84 نقطة، بزيادة تقارب 38% عن العام الماضي.
  • تكاليف السكن والطاقة شهدت قفزة غير مسبوقة، حيث بلغ مؤشرها 327.53 نقطة مقارنة بـ118.74 نقطة فقط في نيسان 2024 – بزيادة فاقت 175% خلال عام واحد فقط.
  • الملابس والأحذية بقيت على ارتفاع طفيف (116.40 نقطة)، لكنها خرجت من أولويات المواطنين.

محاولات التكيف ومظاهر التقشف

مع تراجع الإنفاق، اتجه بعض المواطنين إلى البيع على الأرصفة لتأمين دخل محدود. أحد الباعة قال: “أبيع على بسطة، وربحي لا يتجاوز 30 شيكلًا في اليوم، لا يكفي حتى لنقل البضائع.”

أما على صعيد الأسعار، فقد بلغ سعر كيلو لحم الخروف 120 شيكلًا، والعجل 70 شيكلًا، ما جعل اللحوم خارج قدرة الكثير من العائلات.

عار الأضاحي”: أسعار العيد الكبير تحطم التوقعات

ومع اقتراب عيد الأضحى، يواجه الفلسطينيون موجة غلاء جديدة تُعدّ الأعلى عربيًا في قطاع الأضاحي، ما أطلق عليه البعض “عار الأضاحي” لهذا العام:

  • سعر الخروف يتراوح بين 700 و1050 دولارًا (3100–4650 شيكلًا).
  • العجول الكاملة تُباع بين 8000 و13000 شيكل (2200 – 3600 دولار).
  • سُبع العجل للفرد الواحد يُكلّف ما بين 1140 و1855 شيكلًا.

أسباب الارتفاع:

  • زيادة حادة في أسعار الأعلاف المستوردة.
  • إغلاق المعابر وتراجع قطاع الثروة الحيوانية بسبب العدوان على غزة.
  • انحسار المراعي الطبيعية واعتماد أكبر على الأعلاف التجارية.
  • ارتفاع في تكاليف النقل والتخزين.
  • تراجع استيراد المواشي لأسباب أمنية واقتصادية.

الأضحية هذا العام باتت خارج حسابات الكثير من العائلات، خصوصًا من ذوي الدخل المحدود والمتوسط. واتجه بعض المواطنين للمساهمة في أضاحي جماعية، بينما امتنع آخرون عنها كليًا، في مشهد يعكس التفاوت بين الطقوس الدينية والواقع الاقتصادي الصعب.

عيد مثقل بالقلق

رغم الزينة في الشوارع والحركة النشطة في الأسواق، إلا أن المشهد العام يطغى عليه طابع التقشف والانكماش. العيد هذا العام ليس مناسبة للفرح، بل استعراض صامت للأزمة، من الراتب المجتزأ إلى غلاء اللحوم، وصولًا إلى غياب الأضاحي عن موائد كثيرين.

ويبقى الأمل في تدخل رسمي ينقذ ما تبقى من المواسم، ويضع حدًا لتدهور القدرة الشرائية التي باتت تهدد ليس فقط الأعياد، بل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي برمّته.

المصدر : بوابة اقتصاد فلسطين