من الرياح إلى الاحتلال.. قراءة اقتصادية في خريطة المخاطر الزراعية الفلسطينية

تتعدد التحديات التي تواجه القطاع الزراعي الفلسطيني، لكن الجديد في المشهد أن هذه التحديات باتت تُقرأ الآن من منظور اقتصادي ممنهج، عبر “خريطة المخاطر الزراعية في فلسطين”، التي أعدتها وزارة الزراعة الفلسطينية بالتعاون مع شركاء وطنيين ودوليين.
تُظهر الخارطة أن الرياح العاتية باتت تمثل الخطر الطبيعي الأبرز على الزراعة الفلسطينية، إذ سُجلت أكثر من 1200 حالة ضرر خلال السنوات الخمس الماضية، بنسبة تجاوزت 35% من مجمل الخسائر المناخية في الموسم الأخير، مقابل 18% فقط قبل خمس سنوات. وتنعكس هذه الظاهرة على استقرار الإنتاج الزراعي وتكاليف الوقاية والتأمين.

من الناحية الاقتصادية، يؤثر هذا التبدل المناخي على الموازنات التشغيلية للمزارعين، حيث يتطلب التكيّف مع ظواهر مثل الجفاف والقبة الحرارية استثمارات في البنية التحتية والتقنيات الزراعية، ما يزيد من الأعباء المالية على المنتجين في ظل غياب دعم مستقر.
وتوضح الخارطة أن مناطق مثل الأغوار الشمالية وجنوب قطاع غزة تُعد من الأكثر هشاشة بيئية، حيث تتراكب المخاطر الطبيعية مع السياسية، من مصادرة الأراضي وتدمير البنية التحتية، إلى تقييد الحركة ومنع حفر الآبار. وتُظهر الدراسة أن هذه المناطق تسجّل أعلى مؤشرات خطر بيئي وتحتاج إلى تدخل فوري.

يشير التقرير إلى أن السياسات الإسرائيلية ليست مجرد عامل خارجي، بل خطر اقتصادي مزمن، قُدّرت خسائره السنوية المباشرة وغير المباشرة بأكثر من 150 مليون دولار. وتشمل هذه السياسات منع الوصول إلى الموارد، وهدم المنشآت الزراعية، والقيود على التوسع، ما يعوق الاستثمار الزراعي ويقوّض الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
أما في قطاع غزة، فتقترن المخاطر البيئية بالحصار وتدهور البنية التحتية، ما يهدد الأمن الغذائي المحلي ويضعف قدرة المزارعين على تصريف إنتاجهم. وتشير الدراسة إلى أن جنوب القطاع من أكثر المناطق هشاشة، ما يضعها في قلب “المنطقة الحرجة”.
وفي ما يتعلق بالتنوع الحيوي الزراعي، يُعد فقدان السلالات المحلية تهديدًا اقتصاديًا مباشرًا؛ فالأصناف البلدية تُظهر قدرة أكبر على مقاومة الجفاف، كما أنها أقل تكلفة من الأصناف المستوردة. وقد أدى اختفاء سلالات الدواجن البلدية إلى تراجع الأمن الغذائي الأسري وارتفاع كلفة البروتين الحيواني.
على مستوى السوق، تبرز مشكلة تقلب الأسعار وتلف الفائض نتيجة ضعف سلسلة التوريد، حيث تم تسجيل أكثر من 112 حالة تذبذب سعري حاد. كما أن أكثر من 75% من المخاطر السوقية مصنفة بأنها حرجة.
في المقابل، تظهر بيانات الدراسة أن نحو 66% من المزارعين يفكرون في الاشتراك ببرامج تأمين زراعي، خاصة في قطاعات حساسة مثل الدواجن والخضار. وتعد المخاطر الطبيعية العامل الأكثر تأثيرًا في قرار شراء التأمين، بحسب 85% من المستجيبين.
من جهة أخرى، تعتمد غالبية المزارعين (نحو 99%) على حلول ذاتية ومباشرة للحماية، مثل استخدام البرادات، بينما لا تتجاوز نسبة من يعتمدون على الأعلاف التكميلية استعدادًا للكوارث 19%، ما يعكس فجوة في الوعي والسياسات الوقائية.
أوصت الدراسة بضرورة تطوير نظام إنذار مبكر قائم على الذكاء الاصطناعي، وتحديث الخارطة كل ثلاث سنوات، إلى جانب تصميم برامج تأمين مرنة تُراعي طبيعة الخطر والموقع الجغرافي، ما من شأنه دعم التخطيط الزراعي وتقليل الفاقد الاقتصادي.
في المجمل، تقدم “خريطة المخاطر الزراعية” أداة استراتيجية لصانعي القرار لتوجيه الاستثمارات الزراعية وتحديد أولويات التدخل، بما يعزز صمود المزارعين، ويعيد الاعتبار للزراعة كقطاع إنتاجي حيوي في الاقتصاد الفلسطيني.
مجلة افاق البيئة والتنمية
المصدر : بوابة اقتصاد فلسطين ـ حسناء الرنتيسي